كنيسة الأدفنتست في مصر
تحمل الكنيسة الأدفنتست السبتيين في مصر تاريخًا عريقًا يمتد لأكثر من مئة عام، مليئًا بالإيمان والعمل في مجالات التعليم والصحة والخدمة. ورغم أنها طائفة صغيرة نسبيًا، فإن تأثيرها ظل حاضرًا بثبات وصمود، ينمو بهدوء عبر فترات من الحروب، والاضطرابات السياسية، والتغيرات الاجتماعية.
بداية متواضعة: من سبعينيات القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين
بدأت رحلة الأدفنتست في مصر في وقت مبكر من سبعينيات القرن التاسع عشر، عندما وصل أوائل المنتمين للكنيسة — وكان العديد منهم أوروبيين — إلى الإسكندرية والقاهرة. لم يأتوا بصفتهم مبشرين رسميين أو مدعومين من مؤسسات كنسية، بل كانوا مؤمنين علمانيين دفعتهم الوصية العظمى ليسوع المسيح لنشر الإنجيل وتلمذة الأمم.
في عام ۱۸۹۹م، وصل أول مبشر أدفنتستي رسمي إلى مصر،"هـ. و. كير"، ليكون نقطة انطلاق العمل المنظم لترسيخ وجود دائم للكنيسة في البلاد. وعلى مدار العقود التالية، تبعه عدد من المبشرين مثل "جورج دوركن كيو"، و"ولتر كونراد آيسنغ"، و"إرنا كروغر" وغيرهم، حيث قاموا بتأسيس كنائس ومدارس وعيادات طبية لتلبية احتياجات المجتمع المصري، روحياً وعملياً.
النمو والتحديات: من عشرينيات إلى أربعينيات القرن العشرين
بحلول عشرينيات القرن العشرين، كانت كنيسة الأدفنتست قد أرست دعائم قوية لها، خاصة في الإسكندرية والقاهرة، حيث كانت تُقام الخدمات الدينية بالعربية والفرنسية والإنجليزية لتناسب تنوع المجتمع المصري. وخلال هذه الفترة، اعتنق شاب مصري يُدعى "يعقوب ناشد" الإيمان الأدفنتستي، وسرعان ما أصبح قائداً بارزاً في الكنيسة، ليكون أول مصري يرعى كنيسة للأدفنتست في مصر، ممهدًا الطريق لقيادة محلية للكنيسة.
جاءت الحرب العالمية الثانية ومعها تحديات جسيمة، حيث اضطر العديد من المبشرين إلى مغادرة البلاد، ونضبت الموارد بشكل كبير. ومع ذلك، نهض الأعضاء المصريون لتولي الأدوار القيادية، حاملين على عاتقهم استمرار الرسالة.

بروز القيادة المحلية: من خمسينيات إلى سبعينيات القرن العشرين
في أعقاب ثورة ۱۹٥۲ وتصاعد التيار الوطني في مصر، بدأت الدولة في فرض قيود على المنظمات الدينية الأجنبية، مما اضطر العديد من المبشرين الأجانب إلى المغادرة. مرة أخرى، برزت القيادة المحلية لتلعب دورًا حاسمًا في إبقاء الكنيسة حيّة وفعالة.
من بين هؤلاء القادة كان "يوسف فرج"، رجل مصري مخلص وأمين، خدم كشيخ في الكنيسة ثم كواعظ وقس بدوام كامل. وقد أصبح منزله في القاهرة مركزًا للعبادة والتعليم للعديد من المؤمنين الأدفنتست.
وخلال الستينيات والسبعينيات، برز جيل جديد من الرعاة والمعلمين والمبشرين المصريين، كثيرون منهم تلقوا تعليمهم في المدارس الأدفنتستية بلبنان.
تُولي كنيسة الأدفنتست أهمية كبيرة للخدمات التعليمية والصحية كجزء رئيسي من رسالتها. وفي مصر، تجسّد ذلك من خلال إنشاء المدارس، والعيادات الصحية، ومراكز الرعاية الاجتماعية. وقد أصبحت أكاديمية "اتحاد النيل"، التي تأسست في منتصف القرن العشرين، مركزًا رئيسيًا للتعليم الأدفنتستي، جاذبةً الطلاب من مختلف أنحاء مصر والشرق الأوسط.
الإيمان تحت ضغط
لم يكن طريق الكنيسة الأدفنتستية في مصر - كأقلية مسيحية في مجتمع ذي أغلبية مسلمة - ممهدًا. فقد واجهت تحديات اجتماعية وقانونية متعددة، بدءًا من القيود على ممارسة العبادة والتبشير، ووصولًا إلى الصعوبات في امتلاك العقارات أو الحصول على تراخيص للمؤسسات.
لكن رغم هذه التحديات، استطاعت الكنيسة أن تنمو بهدوء وبشكل هادف. حيث اهتم أعضاؤها بالخدمة المجتمعية والتعليم والرعاية الصحية كوسائل عملية للتعبير عن إيمانهم.
وتُعد برامج الشبيبة في الكنيسة— من مؤتمرات الشباب وحتى أندية المستكشفين "باثفايندرز" مؤخرًا— ركيزة أساسية في إعداد جيل جديد من تلاميذ المسيح. وفي مجتمع يُعلي من شأن العائلة والتقاليد، توفر هذه البرامج شعورًا بالانتماء، وفرصًا للنمو الشخصي وتنمية المهارات القيادية للصغار.
الحاضر والمستقبل
اليوم، لا تزال كنيسة الأدفنتست السبتيين في مصر صغيرة الحجم، لكنها نشطة وفعّالة، تضم بضعة آلاف من الأعضاء مع شبكة من الكنائس والمدارس وبرامج الخدمة المجتمعية. ويحمل رسالتها اليوم رعاة ومعلمون وأطباء ومؤمنون مصريون يواصلون الإرسالية بشغف وإخلاص.
رغم كل التحديات، تبقى قصة كنيسة الأدفنتست في مصر شهادة على الصمود والإيمان، بتأثيرها الهادئ والعميق في حياة الأفراد والمجتمع.